لا شك أنّ العراق صار يشهد الكثير من نتاج عملية التحول التي يعيشها بعد دهور القيود والاغلال. ومن مولودات عملية التحول تبنّي الحرية والديمقراطية واتخاذهما شكلين اساسين ومدلولين فاعلين في بناء دولة العراق الجديدة وتحول مسارها نحو اتجاه يبعد عن ذلك الذي عمّـقه نظام التقيد والعزلة.
وانا اجول بعضاً من طرق بغداد في مشاويري اليومية، استوقفتني ظاهرة كنا لا نكاد نراها ولكن طبيعي أن نسمع بها ونرى نتائجها في بعض المكونات التي تحمل اثار فعالها. إنها ظاهرة انتشار محال (أو كما يُكتَب باللوحات "مخزن") المشروبات الكحولية في بغداد. في السابق منع النظام المنحل حانات الخمور وبعضاً من محال المشروبات الكحولية كانت تفتح لساعات معينة خلال اليوم، وكان تداول هذه المشروبات يتم في الخفاء هرباً من ملاحقة سلطات النظام التي كانت تتظاهر بأقنعة الالتزام والتناقض في تطبيق النظام الالهي على ارض الواقع. على أي حال، بعد الإطاحة بذلك النظام ودخول العراق مرحلة التحرر والتمتع بما حرمه النظام البائد من جميع وسائل الرفاهية على الشعب المقيد بالسلاسل ووعيد السجون والعقاب، أخذ مسار التحرر طريقاً منحرفاً في بعض الممارسات وصار لمعناه مفهوماً مغايراً. فالآن بامكانك السير في أي من شوارع بغداد الكبرى والتي تضج بحشود الناس بين متسوق وصاحب مصلحة وذوي محلات تجارية واسواق شعبية، وبينما أنت سائرٌ لا بدّ أن تقع عيناك على أكثر من محل مريب الشكل تسوده العتمة بمصابيح لا تعكس ما يحتويه من بضاعة كما هو الحال مع بقية انواع المحال التجارية ويكون للمحل باب مختلف الشكل عن المألوف فليس هناك واجهة برّاقة ولا ديكور ملفت للأنظار وقد ترى أكثر من يقف على باب المحل شباب في ريعان أعمارهم ومراهقون. وبدلاً من خط كلمة "محل" على لافتة ذلك المكان، ترى كلمة "مخزن" هي اللافتة للنظر دون ذكر تخصص ذلك "المخزن"، فعلى سبيل المثال نقرأ في الشارع "محل ألبسة" أو "محل مواد كهربائية" أو "أسواق غذائية"، إنما هذا المخزن لا يكتب عليه سوى "مخزن ..." واسم المخزن.
لقد ادهشني صباح اليوم حينما رأيت بناية بالقرب من ساحة كهرمانة في قاطع الكرادة وسط بغداد وهي أقل ارتفاعاً عن سواها من البنايات الملاصقة لها، واذا بي أقرأ " مخزن كذا" وآخر إلى جنبه " مخزن كذا" وثالث ورابع، الكلّ في البناية نفسها. والحال نفسه تراه في منطقة بغداد الجديدة والصالحية وزيونة وغيرها من مناطق بغداد التي تتميز بازدحام الناس واعتبارها مناطق تجارية لكن في الوقت نفسه مناطق سكنية تكتظ بأُسر لديها اطفال وشباب متعتها ووناستها هو التجوال سيراً في شوارع أزقتها الرئيسية مع اولادها يومياً للتنفيس عن خنقة الحياة وضغوطها.
وهنا يبقى السؤال المطروح هو، هل هذا تفسيرنا للتحرر؟ وهل تمتعنا بما حُر ِمنا منه أيام العزلة يُطَبَق في تفشي المحرّم في مجتمعنا؟
ألا يكفينا ما يمر به مجتمعنا من تفشي الآفات الاجتماعية وابتلاؤه بأمراض تهدد تنظيمه البشري ومكوناته الانضباطية. فليس الخوف من مخاطر المفخخات وارهابي التفجيرات وحدها آفة ٌ تهدد باختزال كياننا الاجتماعي وهدم هيكلنا البشري، بل هناك آفات أخرى تأكلُ وعي ويقظة أفراد هذا المجتمع ممن لديهم الاستعداد على تقبل هذه الآفات التي تمنحهم شعور التحرر وأحياناً شعور النضوج والرجولة أو شعور الاختلاف عن الغير بتحدي غير المرغوب وممارسة الممنوع. فشرب الخمور هو مؤشر على التخلي عن القيم الاسلامية ونذير بانهيار المباديء الاخلاقية، وهي لا تعدو عن كونها اعصار يهدد مستويات التكوين الانساني كافة. المخدرات والخمور وتشبه الشباب بتبرج البنات من لبس المبهرج ووضع المكياج والاكسسوارات وتزيين الشعر وغيرها من وسائل اللعب على اخراج الانسان عن تنظيمه السليم كلها تصب في نتاج واحد وهو تخريب هذه المنظومة التنظيمية السليمة، وتأثيرها يطول الفكر السليم والوعي والادراك والالتزام بما هو عقلاني واخلاقي وديني ويوجه الميول بعيداً عن الحدود الموضوعة لبني الانسان والتي إن تجاوزها ألقى بنفسه إلى التهلكة.
ولأننا لا نريد أن نكون متحررين كما صار الغرب ونقع بما وقعوا به بأنهم اباحوا كلّ انواع التحرر والتمتع حتى وصلوا إلى حال أنهم يخصصون الاموال الطائلة ويقيمون المحافل وينشرون الوعي والبدائل للقضاء على ظواهر تناول المخدرات والخمور التي أظهرت بنتائجها على سطح مجتمع يواجه مشاكل اجتماعية وأمراض نفسية تقود في كثير من الاحوال إلى القتل أو الانتحار أو ممارسة الفعال الاجرامية، هذا اضافة إلى شعور الضياع والوحدة في أفضل الأحوال.
لا يجب علينا السماح بمثل تلك الظواهر أن تأخذ مسارها في الانتشار بين مجتمعنا ونبرر انتشارها أنّنا بلدٌ جديد ومرحلتنا متغيرة ووجوب تخلينا عن جهل الماضي وعزلته ولبسنا ثوب التحرر والحداثة لنواكب العالم. فليس كلّ ما لدى العالم الخارجي يقود للتطور والحداثة، بل هناك أمراض يروج لها العالم بمفاهيم الحرية والديمقراطية وأنك فرد حرّ فلك الحقُّ في ممارسة ما تريد ما دام ذلك لا ينصب على قتل الناس. غير أنّ الابتلاء بآفات المخدرات والخمور هو أكبر بعداً وأعمق هدماً من الابتلاء بآفات القتل المباشر والضرب بالمفخخات.
نحن نريد خلق عراق جديد ذي طاقات محلية واعية جديدة تخرج من حرمان الأمس وتكسر قيود حبسها الماضي لتقود العراق الجديد بوعي وبفكر ورؤيا ، وأهم من ذلك كله باستناد على قاعدة ايمانية وتربوية راسخة وليس قاعدة عربدة تخل بالنظام العقائدي والارادي لدى الافراد. وعليه، لا بدّ على من يدير السلطة الأعلى في بلادنا من اتخاذ إجراء حازم وتوجيه برامج تثقيفية وتوعوية مدروسة لشريحة الشباب لتوعيتهم بابعاد مثل تلك الممارسات وأثرها على مستقبلهم وعلاقاتهم ومدى قدرتهم على بناء وتطوير بلدهم وجعله بلداً منتجاً مثقفاً قادراً على الانخراط بالمنظومة الانسانية التنظيمية السليمة التي تقود لخلق انسان صالح لنفسه وبيئته ومجتمعه الأكبر.
وانا اجول بعضاً من طرق بغداد في مشاويري اليومية، استوقفتني ظاهرة كنا لا نكاد نراها ولكن طبيعي أن نسمع بها ونرى نتائجها في بعض المكونات التي تحمل اثار فعالها. إنها ظاهرة انتشار محال (أو كما يُكتَب باللوحات "مخزن") المشروبات الكحولية في بغداد. في السابق منع النظام المنحل حانات الخمور وبعضاً من محال المشروبات الكحولية كانت تفتح لساعات معينة خلال اليوم، وكان تداول هذه المشروبات يتم في الخفاء هرباً من ملاحقة سلطات النظام التي كانت تتظاهر بأقنعة الالتزام والتناقض في تطبيق النظام الالهي على ارض الواقع. على أي حال، بعد الإطاحة بذلك النظام ودخول العراق مرحلة التحرر والتمتع بما حرمه النظام البائد من جميع وسائل الرفاهية على الشعب المقيد بالسلاسل ووعيد السجون والعقاب، أخذ مسار التحرر طريقاً منحرفاً في بعض الممارسات وصار لمعناه مفهوماً مغايراً. فالآن بامكانك السير في أي من شوارع بغداد الكبرى والتي تضج بحشود الناس بين متسوق وصاحب مصلحة وذوي محلات تجارية واسواق شعبية، وبينما أنت سائرٌ لا بدّ أن تقع عيناك على أكثر من محل مريب الشكل تسوده العتمة بمصابيح لا تعكس ما يحتويه من بضاعة كما هو الحال مع بقية انواع المحال التجارية ويكون للمحل باب مختلف الشكل عن المألوف فليس هناك واجهة برّاقة ولا ديكور ملفت للأنظار وقد ترى أكثر من يقف على باب المحل شباب في ريعان أعمارهم ومراهقون. وبدلاً من خط كلمة "محل" على لافتة ذلك المكان، ترى كلمة "مخزن" هي اللافتة للنظر دون ذكر تخصص ذلك "المخزن"، فعلى سبيل المثال نقرأ في الشارع "محل ألبسة" أو "محل مواد كهربائية" أو "أسواق غذائية"، إنما هذا المخزن لا يكتب عليه سوى "مخزن ..." واسم المخزن.
لقد ادهشني صباح اليوم حينما رأيت بناية بالقرب من ساحة كهرمانة في قاطع الكرادة وسط بغداد وهي أقل ارتفاعاً عن سواها من البنايات الملاصقة لها، واذا بي أقرأ " مخزن كذا" وآخر إلى جنبه " مخزن كذا" وثالث ورابع، الكلّ في البناية نفسها. والحال نفسه تراه في منطقة بغداد الجديدة والصالحية وزيونة وغيرها من مناطق بغداد التي تتميز بازدحام الناس واعتبارها مناطق تجارية لكن في الوقت نفسه مناطق سكنية تكتظ بأُسر لديها اطفال وشباب متعتها ووناستها هو التجوال سيراً في شوارع أزقتها الرئيسية مع اولادها يومياً للتنفيس عن خنقة الحياة وضغوطها.
وهنا يبقى السؤال المطروح هو، هل هذا تفسيرنا للتحرر؟ وهل تمتعنا بما حُر ِمنا منه أيام العزلة يُطَبَق في تفشي المحرّم في مجتمعنا؟
ألا يكفينا ما يمر به مجتمعنا من تفشي الآفات الاجتماعية وابتلاؤه بأمراض تهدد تنظيمه البشري ومكوناته الانضباطية. فليس الخوف من مخاطر المفخخات وارهابي التفجيرات وحدها آفة ٌ تهدد باختزال كياننا الاجتماعي وهدم هيكلنا البشري، بل هناك آفات أخرى تأكلُ وعي ويقظة أفراد هذا المجتمع ممن لديهم الاستعداد على تقبل هذه الآفات التي تمنحهم شعور التحرر وأحياناً شعور النضوج والرجولة أو شعور الاختلاف عن الغير بتحدي غير المرغوب وممارسة الممنوع. فشرب الخمور هو مؤشر على التخلي عن القيم الاسلامية ونذير بانهيار المباديء الاخلاقية، وهي لا تعدو عن كونها اعصار يهدد مستويات التكوين الانساني كافة. المخدرات والخمور وتشبه الشباب بتبرج البنات من لبس المبهرج ووضع المكياج والاكسسوارات وتزيين الشعر وغيرها من وسائل اللعب على اخراج الانسان عن تنظيمه السليم كلها تصب في نتاج واحد وهو تخريب هذه المنظومة التنظيمية السليمة، وتأثيرها يطول الفكر السليم والوعي والادراك والالتزام بما هو عقلاني واخلاقي وديني ويوجه الميول بعيداً عن الحدود الموضوعة لبني الانسان والتي إن تجاوزها ألقى بنفسه إلى التهلكة.
ولأننا لا نريد أن نكون متحررين كما صار الغرب ونقع بما وقعوا به بأنهم اباحوا كلّ انواع التحرر والتمتع حتى وصلوا إلى حال أنهم يخصصون الاموال الطائلة ويقيمون المحافل وينشرون الوعي والبدائل للقضاء على ظواهر تناول المخدرات والخمور التي أظهرت بنتائجها على سطح مجتمع يواجه مشاكل اجتماعية وأمراض نفسية تقود في كثير من الاحوال إلى القتل أو الانتحار أو ممارسة الفعال الاجرامية، هذا اضافة إلى شعور الضياع والوحدة في أفضل الأحوال.
لا يجب علينا السماح بمثل تلك الظواهر أن تأخذ مسارها في الانتشار بين مجتمعنا ونبرر انتشارها أنّنا بلدٌ جديد ومرحلتنا متغيرة ووجوب تخلينا عن جهل الماضي وعزلته ولبسنا ثوب التحرر والحداثة لنواكب العالم. فليس كلّ ما لدى العالم الخارجي يقود للتطور والحداثة، بل هناك أمراض يروج لها العالم بمفاهيم الحرية والديمقراطية وأنك فرد حرّ فلك الحقُّ في ممارسة ما تريد ما دام ذلك لا ينصب على قتل الناس. غير أنّ الابتلاء بآفات المخدرات والخمور هو أكبر بعداً وأعمق هدماً من الابتلاء بآفات القتل المباشر والضرب بالمفخخات.
نحن نريد خلق عراق جديد ذي طاقات محلية واعية جديدة تخرج من حرمان الأمس وتكسر قيود حبسها الماضي لتقود العراق الجديد بوعي وبفكر ورؤيا ، وأهم من ذلك كله باستناد على قاعدة ايمانية وتربوية راسخة وليس قاعدة عربدة تخل بالنظام العقائدي والارادي لدى الافراد. وعليه، لا بدّ على من يدير السلطة الأعلى في بلادنا من اتخاذ إجراء حازم وتوجيه برامج تثقيفية وتوعوية مدروسة لشريحة الشباب لتوعيتهم بابعاد مثل تلك الممارسات وأثرها على مستقبلهم وعلاقاتهم ومدى قدرتهم على بناء وتطوير بلدهم وجعله بلداً منتجاً مثقفاً قادراً على الانخراط بالمنظومة الانسانية التنظيمية السليمة التي تقود لخلق انسان صالح لنفسه وبيئته ومجتمعه الأكبر.
No comments:
Post a Comment