إقتصاد العـراق
ما بين 2003-2012
تناولت تقارير وبحوث دولية وضع الاقتصاد العراقي في الآونة الأخيرة، وبتغطية خاصة
للاعوام التي عقبت دخول القوات الاميركية إلى العراق. أهم ما تركزت عليه هذه
التقارير هو نشوء نوع خاص من الاقتصاد في العراق وهو ما يسمى بـ "الاقتصاد
غير الرسمي"[1]
أو ما يشار إليه بالاقتصاد المخفي. الاقتصاد غير الرسمي أو حسب ما يطلق عليه روبرت
لوني بـ"اقتصاد الظل" يمكن تعريفه هو الاقتصاد الذي يظهر في الدول
النامية ولا يـُشمل في نظام الضرائب ولا ينتظم تحت منظومة حكومية ولا يدخل في
إجمالي الناتج القومي. بزغت ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي في سبعينيات القرن الماضي
في البلدان التي تعاني من تحديات نمو اقتصادي ونظام اشراف حكومي على اقتصادها.
فالبطالة في
البلد هي بواقع الحال تستخدم اقتصاد الظل بصفته استراتيجية التعايش حتى تتوفر
وظائف في القطاع الرسمي. والجدير بالذكر هو أنّ نسبة اقتصاد الظل في العراق تصل
إلى 80% من القوى العاملة في البلد، غير أنّ هذه النسبة الهائلة والتي تمثل اغلبية
التوظيف في العراق لا تدخل أو تساهم بأي شكل في تحديد نسبة الايرادات السنوية في
البلد. بمعنى آخر، أن 80% من دخل الاعمال في العراق غير محسوب ولا يعود على واردات
البلد بأي نفع، بل يذهب للافراد الذين يديرونه مجاناً، وأنّ الواردات الرسمية تعتمد
النفط فقط كممول لها.
أسباب ظهور
الاقتصاد غير الرسمي[2]:
1.
إنعدام فرص
العمل التي توفرها منظومة الاقتصاد الرسمي عن طريق القطاع العام والحكومي أو
مؤسسات خاصة رسمية.
2.
التهرب من
الضرائب.
3.
تجنب القوانين
والاجراءات البيروقراطية الموضوعة من قبل الحكومة.
4.
مجال لخلق فرص
العمل والتنمية الاقتصادية للأفراد وليس للمؤسسات أو للمجتمع.
5.
الاقتصاد غير
الرسمي هو صفة ذات طابع ثابت للبلدان التي تفتقر إلى التوزيع للإيرادات والممتلكات بالتساوي.
6.
القدرة
المحدودة لدى الاقتصاد الرسمي على استيعاب العمالة الفائضة.
7.
ارتفاع
التكاليف، وتعقيد التنظيمات الحكومية وانتشار الفساد في ادارة الاعمال ومنح رخص
العمل وسند الملكية للاراضي.
8.
ضعف قدرات
المؤسسات الرسمية على توفير التعليم والتدريب والبنى التحتية للاصلاح البنـّاء.
9.
الهجرة من
الريف إلى المدينة سعياً للكسب المحدود غير المكلف لأرباب العمل.
10. دخول اصحاب العمل الاجانب واستغلالهم
العمالة المحلية الواطئة الكلفة.
12. متطلبات الاقتصاد غير الرسمي بسيطة جداً: لا
حاجة للتعليم الرسمي، تكلفة قليلة، عمالة مكثفة، ومتطلبات دنيا لدخول مجال العمل من
ناحية رأس المال والمؤهلات المهنية.
13. موقع العمل عشوائي: في البيت، في الشارع، في
داخل مؤسسة، في القرى أو المدن، أو حتى أمام البنايات.
14.
في فترات
الأزمات وعدم انضباط القانون والنظام الذي يؤدي إلى انتشار اعمال الجريمة كتجار
الشوارع لبيع البضائع المسروقة أو بصورة غير مشروعة.
15.
افتقار القوى
العاملة في البلد إلى المهارات الضرورية لتنمية قطاع خاص فعّال في السوق الرسمي،
وهذا ما أدى إلى تضخم مستوى التوظيف في القطاع العام الحكومي.
16.
في نموذج
العراق، أعاق النظام البعثي نشوء اقتصاد السوق وعمل على إفساد المؤسسات القانونية
والقضائية الضرورية لزرع الثقة وتعزيزها.
17.
غياب قوانين
تحكم الاستثمار والضرائب والملكية. [4]
الحلول
المحتملة لتحويل إقتصاد الظل إلى إقتصاد رسمي:
1.
تعزيز سيادة
القانون من خلال تطبيق النظام الفعال واستقامة القضاء والخدمة المدنية. وضع اطار
قانوني لادارة الاعمال.
2.
صنع سياسات
للمساهمة في استقرار الاسعار. فقد اثبتت الاستبيانات أنّ الأسرة العراقية تنفق 90%
من مصاريفها على شراء البضائع والطبابة والنقل اضافة إلى دفع ايجار البيت أو محل
البيع، وأنّ هذه الاسعار في تزايد مستمر مما يتسبب في تصاعد نسبة التضخم.
3.
تطوير سياسات
ترعى الطفولة ومشاكل عمالة الاطفال من خلال ثلاث أبعاد: فرض قوانين العمل، تفعيل
قانون التعليم الالزامي، دعم الأسرة مادياً لتفادي إجبار الاطفال على العمل.
4.
طرح سياسات
ترعى المرأة الوحيدة (أرملة أو غير متزوجة). ساهم عاملان على ضعف المرأة في ادارة
الاعمال في العراق وهما: سياسة البعث الذي كان يكرم النساء اللواتي لهن روابط بحزب
البعث فقط، وعامل المجاميع الدينية التي كانت تشجع المرأة على البقاء في بيتها. مع
افتقار معظم النساء من هذه الشريحة للمؤهلات العلمية والدراسية، على الحكومة
وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني تفعيل مشروع تدريب وتأهيل النسوة من هذا النوع
ليتسنى لهن ادارة اعمال صغيرة تكفل عيشهن على أن يكون العمل ضمن اطار الاقتصاد
الرسمي الخاضع لمظلة نظام واشراف الدولة والضرائب.
5.
إعتماد سياسات
لتطبيق نظام الضرائب واستقرار الاقتصاد الكلي للبلد.
توصيات لتفعيل
الحلول المطروحة:
على الرغم مما
تحمله ظاهرة اقتصاد الظل من مؤشرات سلبية لتدهور الاقتصاد الوطني ونذير بكارثة على
المدى البعيد اذا لم يتم تداركها واستيعابها. اذ بالإمكان التعاطي مع هذه الكارثة
وفق استراتيجية "التدوير" recycle
والتي تتركز في احتواء ما يمثل عبء غير نافع إلى مصادر نفع واستثمار باستخدام
آليات تجديد وتفعيل. فبدلاً من أن يبقى العراق رهين واردات النفط التي تمثل نسبة
ضئيلة جداً (20%) يعتمد عليها الاقتصاد الكلي للبلد، بالإمكان تدوير الواردات غير
المستخدمة والتي تمثل النسبة الأعظم (80%) والناتجة من اقتصاد الظل. فهذه كارثة
اقتصادية هائلة ان يكون 80% من ايرادات بلد ما ضائعة ولا تستغل في التطوير
والإعمار. وعليه هنا تبرز حاجة طارئة للشروع ببرنامج وطني أو خطة وطنية كبرى تستند
لنظرية الاحتواء من أجل تطوير الاقتصاد العراقي، على أن تكون هذه الخطة الوطنية
على مرحلتين: المدى المتوسط والمدى البعيد.
في مرحلة
المدى المتوسط يكون العمل على نقل اقتصاد الظل إلى نوع من الاقتصاد يسمى بـ"
الاقتصاد المتحوّل". يقصد بالاقتصاد المتحول هو اقتصاد مؤقت يستند إلى سياسة
قصيرة المدى تتبنى استراتيجيات تعمل على جرّ اقتصاد الظل إلى فلك الاقتصاد الرسمي
ولكنه ليس بعد ضمن منظومة الاقتصاد الرسمي. الاقتصاد المتحول هو مرحلة انتقالية
لتأهيل الاقتصاد المنهار ليتخذ دوراً فعالاً في نهضة البلد. هذه هي مرحلة تكييف
وتهيئة.
أما مرحلة
المدى البعيد هي المرحلة التي يكون فيها الاقتصاد قد انتقل كلياً من كونه اقتصاد
ظل إلى اقتصاد رسمي. وفي هذه المرحلة يشهد الاقتصاد الوطني للبلد استقراراً
وانتعاشاً نسبياً حيث يكون ضمن اطار تنظيمي مؤسساتي فعال.
وهذا الهدف
ممكن تحقيقه من خلال العمل على ثلاث أبعاد:
البعد الأول:
تنمية الموارد البشرية والقدرات:
1.
إشراك الأفراد
الذين يديرون أعمال صغيرة (أعمال حرة) في برامج تدريبية وتأهيلية تكون مصنفة حسب
الجنس (رجال، نساء) وحسب المؤهلات العلمية (غير متعلم، متعلم مبتدأ، متعلم متوسط،
متعلم متقدم)، وحسب نطاق العمل الحر (بائع متجول، سائق تاكسي، صاحب محل تجاري،
عامل، صاحب شركة خاصة). تدخل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بلعب دور المدرّب هنا
لا سيما اذا ما تم تفعيل أكبر لدوائر التدريب المهني في الوزارة ودائرة الضمان
الاجتماعي التي ينصب عملها المباشر مع الشركات والقطاع الخاص.
2.
التعاون مع
خبراء الاقتصاد الدوليين من المهتمين والمراقبين لاقتصاد العراق تحديداً مثل روبرت
لوني. بالامكان فعل ذلك من خلال استضافتهم في العراق وتفويضهم بدراسة واقع
الاقتصاد والتخطيط لوضع سياسات للنهوض به من خلال اتباع استراتيجية التكيّف
والتعايش وهي التي تمنح الطرف المستفيد (العراق) الخطوات التفصيلية لتطبيق السياسة
الموضوعة لضمان العمل بها.
3.
الشروع بحملة
جمع المختصين والمهتمين المحليين بالاقتصاد. وهذا ما يمكن تسميته ببرنامج صنع
خبراء محليين أو صنّاع سياسات اقتصادية. من الممكن الشروع بهذا المشروع من خلال
متابعة العاملين بمجال الاقتصاد في مؤسسات الدولة: البرلمان (اللجنة الاقتصادية)،
رئاسة الوزراء (هيئة المستشارين)، مجلس الوزراء (وزارات: التخطيط، العمل والشؤون
الاجتماعية، التجارة، الصناعة والمعادن، والزراعة)، غرفة تجارة العراق، البنك
المركزي (منح قروض صغيرة[5]
لفتح اعمال صغيرة)، مراكز البحوث والدراسات ومنظمات المجتمع المدني العراقية
المهتمة بالشأن الاقتصادي.
4.
تنظيم منتدى
اقتصادي دوري يقدم آليات للاصلاح الاقتصادي وتنويع الدخل الوطني، تقديم نماذج
مشاريع محتملة للعمل عليها وتنفيذها لخلق فرص عمل رسمية، وفتح باب قبول عروض
مشاريع من الأفراد أو مجاميع لتمويلها من قبل جهات رسمية.
5.
الاستفادة من
تجارب الدول الأخرى التي عانت من اقتصاد الظل وكيف استطاعت أن تتحول إلى اقتصاد
رسمي من خلال دراسة حالة[6]
البلد المعني مثل كينيا، جنوب افريقيا، الصين، سريلانكا أو فيتنام.
6.
التخلص من
البيروقراطية المعقدة والمكلفة والتي تقف عائقاً اساسياً لتشجيع اقتصاد رسمي وتفتح
الباب للفساد والهروب إلى مظلة الاقتصاد غير الرسمي السريع والسهل والمجاني.
7.
المضي قدماً:
تفويض خطط الاصلاح والحلول إلى الجهات ذات العلاقة كحكومة العراق ومنظمات المجتمع
المدني.
البعد الثاني: الإطار التشريعي والمالي
1. استحداث أو تفعيل لقوانين تحكم القطاع الخاص وادارة الأعمال الحرة.
2. تطوير آليات تسجيل الشركات الأهلية (القطاع الخاص) من خلال تحديث
الاجراءات البيروقراطية لمسجل الشركات ليتسنى لمن يدير اقتصاداً غير رسمي أن
تحتويه منظومة الاقتصاد الرسمي المنظم.
3. تفعيل دور المصارف الأهلية والحكومية في فتح باب منح قروض صغيرة أمام
اصحاب الأعمال الحرة وبإتباع سياسة تشجيع دخول الاعمال في إطار تنظيمي مهني فعال.
كما يتطلب الأمر استحداث آليات من شأنها تسهيل الحصول على تلك القروض وعدم فرض هذه
المصارف لشروط تعجيزية أو الدخول في بيروقراطية معقدة ومطولة. إلزام الاشتراك
للحاصل على القرض بالنظام الضريبي كشرط للحصول على قرض صغير.
4.
كما بإمكان الدولة تبني سياسة
الفوز-الفوز الاقتصادية من خلال تأسيس صندوق يسمى "صندوق الاقتصاد الحر"
والذي يهدف إلى تحويل ونقل اقتصاد الظل إلى منظومة الاقتصاد الرسمي من خلال منح
قروض صغيرة من قبل صندوق الاقتصاد الحر لاصحاب الاعمال الحرة فقط. يساعد هذا
الصندوق على تشجيع زيادة الاستثمار في الاعمال الحرة وتوسيعها من جهة، وكذلك قيام
الفرد (أو الجهة) الحاصل على القرض بإعادة القرض خلال جدول زمني موضوع. إلزام
الاشتراك بالنظام الضريبي كشرط للحصول على قرض من صندوق الاقتصاد الحر.
البعد الثالث: الإدارة والإشراف
1. إلزام المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بممارسة دورها الرقابي
والاشرافي لمتابعة الاعمال الحرة أو اقتصاد الظل في مرحلة احتواءه وتحوله إلى
اقتصاد رسمي عبر اتباع الخطوات التالية (هذه الخطوات للمثال وليس للحصر):
أ- تسجيل الاعمال الحرة لدى جهة رسمية (دائرة مسجل الشركات مثلاً) مع
تبني استراتيجية تشجيعية وهي إعفاء من الضريبة لمدة زمنية معينة (3 – 5 سنوات)
للمسجلين الرسميين.
ب-قيام المؤسسة المشرفة بتقديم تقرير دوري (كلّ ستة أشهر أو كلّ سنة)
يتناول تفاصيل العمل: نطاق العمل، الشركاء، العملاء، العرض والطلب، الايرادات،
وكمية الاستيراد أو التصدير (إن وجد). ليتسنى للجهة الاشرافية الاطلاع على حركة
السوق والمنتوجات الاستهلاكية وطلب الزبون وأي البلدان هي الأكثر رواجاً لدى
المتسوق العراقي.
ج- التسجيل لدى دائرة الضرائب العامة. وهذا الإجراء بامكان الدولة إلزام
صاحب الاعمال الحرة به من خلال منح القروض الصغيرة التي تعطى على شرط التسجيل لدى
الضريبة ليتسنى للدولة تفعيل النظام الضريبي والمحاسبي في ادارة الاعمال
والايرادات في البلاد.
2. تقييم اداء االاقتصاد المتحول (اقتصاد الظل إلى اقتصاد رسمي) في هذه
المرحلة التنظيمية لاحتواءه تحت مظلة رسمية. من الممكن إعداد التقييم كل ستة أشهر
لمتابعة خط السير مرتين في السنة من أجل تدارك التعثر إن حدث أو تسريع التقدم إن
تحقق. تقارير التقييم تعتمد على معلومات جهاز الإحصاء ونظام البيانات لدى المؤسسات
الحكومية والخاصة المعنية المذكورة آنفاً.
3. تنظيم حدث وطني كبير بعرض للاعمال الحرة الصغيرة جداً التي يديرها
أفراد (1 – 5 أشخاص) ليكون يوم محلي للاحتفال بما يمكن أن يسمى "السوق
العصري" لعرض البضائع أو السلع أو الخضراوات أو حتى المصنوعات اليدوية لأصحاب
الاعمال الحرة المسجلين فقط، على سبيل المثال. بالامكان فعل ذلك في الاماكن
المفتوحة في المدن وبالتعاون مع مجالس المحافظات في كلّ مدينة. ففي بغداد مثلاً
متنزه الزوراء أو على ضفاف نهر دجلة شارع ابو نواس أو مبنى معرض بغداد الدولي.
وهذا من شأنه التمهيد لتبني سياسة تشجيع المنتج المحلي والتوعية به من خلال اتباع
استراتيجيات لجذب المتسوق المحلي ورفع القوة الشرائية لذلك المنتج لينافس قرينه من
المنتج الأجنبي.
المصادر:
Economic Consequences of Conflict:
The Rise of Iraq’s Informal Economy. Looney, Robert. Journal of Economic Issues. 2006
The Informal Economy: fact Finding Study. The World Bank. 2004
Promise of Iraq’s economy remains unfulfilled. The Washington Post. Jan. 9,
2012
[1] Economic Consequences of Conflict: The Rise
of Iraq’s Informal Economy. Looney, Robert. Journal of Economic
Issues. 2006